دعبول المجدّي
5 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
دعبول المجدّي
استلقى "دعبول" على الأرض، وشرع في تقويس ظهره ببراعة لاعب "يوغا"..وظل يتدرج في تقوّسه شيئاً فشيئاً، حتى تم له في النهاية أن يُطبق رجليه على فمه .
وحالما استكمل شكله الدائري، فتح شدقيه بشهية بالغة، ثم ابتلع نفسه .
***
ولأن العالم أصبح قرية صغيرة، فإن الخبر وصل إلى القطب الشمالي، حتى قبل أن يصل إلى "دعبول" نفسه !
جاءت، على الفور، وفود من شتى أنحاء العالم، واكتظ بيت دعبول على اتساعه بالصحافيين وعدسات التصوير وكاميرات التلفزيون وميكروفونات الإذاعات ولجان الحقوق المختلفة، حتى دعت الحاجة إلى تعطيل حركة المرور..
ذلك لأن بيت دعبول هو رصيف الشارع العام .
كانت أنظار العالم كلها مصوبة إلى دعبول..وكان دعبول كلّه عبارة عن كرة مبهمة راقدة بسكون وسط الضجة العارمة .
***
صرخت مندوبة الجمعية العالمية للدفاع عن حقوق الأحذية :
من حق هذا المتوحش أن يفعل بنفسه مايريد، لكن ليس من حقه أن يبتلع الأحذية المسكينة..إنني أطالبه، باسم جمعيتنا الموقرة، بأن يطلق سراح الفردتين حالاً..من غير نقصان نعل أو مسمار .
***
وفي تلك الأثناء أصدر صندوق النقد الدولي احتجاجاً شديد اللهجة على هذا العمل الوحشي الجبان..
وقال ناطق طلب عدم ذكر اسمه أن وراء احتجاج الصندوق أسباباً تنافسية، لكنه لم يُعطِ توضيحات أكثر .
***
وأصدر رئيس جمعية الدفاع عن حقوق الأزرار بياناً استنكر فيه العمل البربري الذي قام به دعبول،
وركز على ضرورة إنقاذ الأزرار بأسرع وقت ممكن، كما ناشد الضمير العالمي الوقوف وقفة حازمة بوجه مثل هذه الأعمال اللا مسؤولة .
وختم بيانه بالقول : إننا نحترم رغبة هذا (المجدي) في ابتلاع قميصه وبنطلونه، بل وحتى حذائه..
لكن ما ذنب هذه الأزرار الصغيرة المغلوبة على أمرها، والتي لا تستطيع النطق أو الدفاع عن نفسها بأية وسيلة ؟!
***
وفي كوالالمبور..أعدمت السلطات رجلاً حاول أن يقلِّد دعبول..
وقال مسؤولون إنَّ هذا العمل يُعطي صورة بشعة للغربيين عن تخلّف سكان آسيا، وذلك حين يشاهدون واحداً منا وهو يأكل نفسه دون استعمال الشوكة والسكّين !
***
وأدلى مندوب جمعية الدفاع عن المصارين بحديث لإذاعة مونت كارلو، قال فيه:
إن جمعيته تندد بهذا العمل الآثم..وتطالب دعبول بالخروج حالاً من مصارينه الدقيقة والغليظة على حد سواء .
ومما جاء في الحديث قوله : إنني لم أرَ في حياتي كلها مثل هذه القسوة..ولا أدري كيف تأتّى لهذا البغل أن يخنق هذه المصارين الرقيقة بحشر نفسه فيها ! هل يظن نفسه قالباً من "الآيس كريم" ؟!
***
وناقش البيت الأبيض، في جلسات مطوّلة ما سمّاه بـ"دابولز سيتيويشن"Doubles Situation وحذّر من احتمالات أن تعطل هذه المسألة مسيرة السلام في الشرق الأوسط..
وأنحى باللاّئمة على زعماء بكين والشيخ القابع في تورا بورا، كما حذّر إيران من مغبّة اللعب بالنار .
وفي الوقت نفسه أصدر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بياناً أكّد فيه أن "بلعة دعبول" تعتبر تهديداً صارخاً لأمن إسرائيل والسلم العالمي.
***
وارتفع سعر الدولار إلى أعلى معدّل له منذ سبع سنوات، فيما انخفضت أسهم نفط بحر الشمال إلى أدنى معدل لها،
ولم تتوفر على الفور أية معلومات عمّا إذا كان لقضية دعبول تأثير مباشر في هذا الشأن .على سلة اسعار الاوبك والاوابك وفريق الزمالك!
***
وأدلى مندوب لجنة الدفاع عن حقوق الأقمشة بتصريح قال فيه:
لا يهمنا نوع قماش قميصه أو بنطلونه..إنها مسألة مبدأ بالنسبة لنا،
لا فرق إن كان قميصه من الحرير أو من الخيش..
كلُّها في النهاية، أقمشة بكماء ضعيفة لا تحسن الدفاع عن نفسها..
وعليه فإننا نطالب هذا الدعبول الأجرب بالإفراج عن قميصه وبنطلونه فوراً .
إن أنظار العالم تراقب معنا، بقلق شديد، معاناة هذه الأقمشة المرتهنة في جوف هذا الأحمق .
***
وأعلن أكثر من فصيل عربي معارض مسؤوليته عن بلع دعبول لنفسه، دون أن يتعرّض أيٌّ منها إلى مسألة بلعهم الأموال من أيّة جهة كانت..
فيما نفت جميع الحكومات العربية أن يكون لها أي دور في مثل هذه(البلعة) .
وعززَّ هذا النفيَ تصريح لدبلوماسي غربي(رفض فقدان عمولاته) حيث قال:
أن خبرته الطويلة في الشؤون العربية تجعله يعتقد بأن هذا النوع من البلع غير متعارف عليه رسمياً لدى جميع حكومات المنطقة منذ عهد السلطان سنحاريب الاكدي.
***
وأعربت الهيئة الدولية للدفاع عن حقوق(البنكرياس)عن قلقها البالغ على مصير الغدّة المسكينة، واتخذت بالتعاون مع حركة الدفاع عن حقوق(الأنزيمات)إجراءات فورية لتقديم شكوى عاجلة إلى منظمة(الفيفا)على اعتبار أن دعبول في شكله الكروي الراهن، يدخل ضمن مسؤوليتها،
كما وحملت الدول المشاركة في بطولة خايجي 19 مسؤولية كل ما يحدث للبنكرياس والغدد اللمفاوية المستضعفة.
***
وفيما كان العالم يتابع هذه القضية بذهول وترقّب وقلق..بدا فجأة، أن كرة دعبول قد أخذت تتمدّد.. وعلى حين غرّة،
انطلق منها صوت صاعق أقرب ما يكون إلى(تفوووو)..
ثم استوى دعبول قائماً على قدميه حافياً عارياً !
بهت الجمهور الغفير..
ولمعت فلاشات أجهزة التصوير،
وتراكض مندوبو وسائل الإعلام لتسجيل صورة إفراج دعبول عن نفسه..
لحظة بلحظة .
زمجر دعبول : يا أولاد الكلب المحترمين...
ما أنا إلاّ
جائع ،
عارٍ ،
مشرّد ،
عاطل عن العمل..
فماذا أفعل سوى أن آكل نفسي، لأكون أنا طعامي وأنا بيتي ؟!
إنني ضحيّة كل هذه الجهات التي
أنكرت
واستنكرت
واحتجت
ونددّت
ونفت
وأعلنت
وادّعت
وحذّرت،
في الوقت الذي كان فمي مغلقاً بجسمي، ولا قدرة لي على الشكوى أو نفي الإتهامات .
لقد تشرّفت، هذا اليوم، برؤية منظمات للدفاع عن حقوق كل شيء في هذه القرية الصغيرة..
وها أنتم ترون أن الأحذية بخير، والازرار والأقمشة بخير، والمصارين بخير، والبنكرياس والغدد اللمفاوية بخير، وإسرائيل بخير..وأنا الوحيد الذي ليس بخير..
فلماذا لا أرى، وسط كل هذه القيامة، منظمة واحدة للدفاع عن حقوق دعبول ؟!
ستقولون، يا أولاد الكلب المحترمين، إنَّ الضغط الدولي قد أجبرني على الإفراج عن جسمي .
لا والله ..
إنني،ببساطة شديدة، تقيّأت نفسي قَرَفاً من هذا العالم !
***
وتقول أنباء غير مؤكّدة إن السلطات أجبرت دعبول على ابتلاع نفسه..
عقوبة له لوقوفه عارياً وسط الشارع..
الأمر الذي يعتبر خدشاً للحياء العام !
المصدر: ادبيات الشاعر البصري الشريف (احمد مطر)
[justify]
السومري شكرا
الحقيقة يالسومري انه عاجبني اسلوبك حيث انت ماجاي تغبن حق الشاعر او الناشر حيث تكتب المصدر وهذا في وقتنا الحاضر مفقود
شكرا على مساهمتك
اتنمى التواصل
شكرا على مساهمتك
اتنمى التواصل
الحارس الانيق- نائب المدير
- عدد الرسائل : 61
العمر : 42
تاريخ التسجيل : 11/11/2008
رد: دعبول المجدّي
شكرا يا سومري على هذا الابداع
امير الخلود- عدد الرسائل : 374
تاريخ التسجيل : 12/11/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى